بيان صادر عن المجمع السنهادوسي المقدس لكنيسة المشرق الآشورية، حول وضع المسيحيين في الشرق
بيان حول وضع المسيحيين في الشرق، صادر عن المجمع السنهادوسي المقدس لكنيسة المشرق الآشورية، المنعقد في أربيل برئاسة قداسة البطريرك مار كيوركيس الثالث صليوا، بتاريخ من 13 الى 18 أيار 2019.
(طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون) متي 5: 9
تمر منطقة الشرق الاوسط منذ اكثر من عقد باوضاع تتسم بالعنف والارهاب المنظم الذي يستهدف بشكل خاص الاقليات والمكونات الدينية والقومية. فقد تعرض المسيحيون والايزيديون وبقية الاقليات الدينية الى جرائم ابادة جماعية في العراق وسوريا حتى بات وجودهم مهددا في وطنهم الام الذي كان لهم دورهم الكبير في بناءه على مدى الاف السنين من وجودهم القومي والديني فيه.
وحيث ان هذا التهديد الوجودي بات ملموسا على الارض وينعكس يوميا في نزيف الهجرة التي تدرك الكنيسة حقائقه وبلغة الارقام، فقد توقف السينودس المقدس لكنيسة المشرق الاشورية المنعقد في اربيل – كردستان العراق، للفترة من 13 الى 18 ايار 2019 برئاسة ابينا صاحب القداسة البطريرك مار كيوركيس الثالث صليوا ومشاركة اصحاب الغبطة والنيافة مطارنة واساقفة الكنيسة الاجلاء، عند هذه القضية ونتائجها ليس فقط على ابناء كنيسة المشرق وعموم مسيحيي المشرق بل وعلى ابناء الاوطان والشعوب التي تقاسمنا ونتقاسم معهم التاريخ والجغرافيا، الماضي والحاضر والمستقبل، الالام والامال، الصعاب والتحديات.
ان ما تعرض له ابناء الكنائس المشرقية المتألمة وشركاءهم في المعاناة ابناء الاقليات الدينية من اليزيدية من حملات منظمة من الارهاب وجرائم الابادة لم يكن ليحدث لولا وجود البيئة الثقافية والمجتمعية التي تستسهل هذه الاعمال او تبررها. ما يمر به مسيحيو المشرق وكنائسه المتألمة في العقد الاخير ليس الاول ولكنه يختلف من حيث انه بات تهديدا وجوديا للتنوع الديني والقومي والثقافي.
من هنا فانه لا يجوز الاكتفاء بالوقوف عند نتائج المشكلة، بل التعامل مع جذورها من خلال مراجعة وتصحيح التشريعات والقوانين التي تشرعن التمييز والمفاضلة بسبب الهوية الدينية والقومية والثقافية، ومراجعة مناهج التربية والتعليم، كون المعتمد منها ينشئ تراكميا اجيال تربّت وتعلمت على رفض الاخر، وكذلك توظيف وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي بما يخدم وينشر قيم الاحترام المتبادل والتسامح.
لذلك يتوجه السينودس المقدس لكنيسة المشرق الى المرجعيات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بالنداء لتحمل مسؤولياتها والعمل على برامج وخطط عمل تمنح الثقة والطمانينة لابناءنا بمستقبل كريم في الوطن الذي بدونهم لن يكون وطنا. فالشرق الغني بتنوعيته والتكامل بين مكونات هذا التنوع الديني والقومي لن يكون شرقا عند افراغه من اي من هذه المكونات او تهميشهم. والهوية الوطنية ليست محصورة بوثيقتها بل بممارستها على الارض، والمواطنة الحقيقية لا تتحقق ما دام ابناء الوطن مصنفون الى درجات في الممارسة الواقعية.
وفي هذا السياق فان المرجعيات والمؤسسات والمنابر الاعلامية الاسلامية لها دور محوري في تبني خطاب التسامح الديني والشراكة الوطنية بين جميع ابناء الوطن. الكنائس المشرقية كانت دوما وعلى مدى الفي سنة قيمة اضافية لهذا الشرق الذي هو منبتها وهويتها، مثلما هو حاضرها ومستقبلها. واليوم فان دورها هو اكثر الحاحا ومطلوبية كونها المؤهلة لبناء الجسور محل الاسوار، مانحة الامل والرجاء محل اليأس والهروب، زارعة المحبة والسلام محل الكراهية والاقتتال.
واذ يعرب السينودس المقدس لكنيسة المشرق الاشورية عن قلقه، فانه يبتهل الى الله ان ينير قلوب صناع القرار والمجتمع الدولي برحمته ويرشد عقولهم بحكمته ليسعوا الى انهاء المعاناة والحروب والاقتتال وان يسيروا في طريق صنع السلام على اسس العدالة والمساواة بين ابناء الوطن دون تمييز او تمايز بسبب الهوية الدينية والقومية والثقافية، فالسلام الذي لا يحقق الكرامة الانسانية والعدالة لن يكون سلاما مستديما. فالانسان صورة الله هو الغاية الاسمى وهو القيمة الاقدس التي يجب اعتمادها في اعمالنا وقراراتنا دولا ومؤسسات وكنائس وافراد.
واذ يدرك السينودس المصاعب والتحديات التي يواجهها ابناء الكنيسة المتألمة فانه يدعوهم للتشبث بأرضهم وهويتهم القومية والدينية التي لا يمكن الحفاظ عليها وتنميتها اذا ما ابتعدت عن جذور جغرافيتها وتاريخها. مثلما يتوجه الى الكنيسة المهجرية، مؤسساتا واكليروسا ومؤمنين، بالدعوة الى تمتين الترابط مع الوطن عبر برامج انسانية وتنموية وثقافية تتوجه الى جميع المجتمعات المتألمة في الوطن وفق قيم المحبة والاخوة الربانية والانسانية.
لتكن نعمة الرب القدوس مع الجميع، الآن وفي كل أوان.
المجمع المقدس لكنيسة المشرق الآشورية
أربيل 19 أيار 2019