وستشرق شمس على كنيستي، شمس دافئة أخرى من جديد
القس انطوان ميخائيل – ملبورن
ويأتي يوم حزن على كنيستي وأمتي بمغادرة البطريرك الحكيم مار دنخا الرابع مثلث الرحمات الى ملكوت السماء ليجلس بجوار الرب ويعيد الزمان هذه الايام طوال ما وجدت كنيسة المشرق الأبية، أول المؤمنين منذ أن نزل الرب وتجسد كأنسان ومن ثم ليمضي مضحياً بنفسه لخلاص البشرية وصيرورة الحياة الأبدية. نعم فالأشوريون هم أول من دخلوا الأيمان بالرب العظيم وعرفوا أن المسيح خلاص البشر. لقد رحل قبل البطريرك مار دنخا الرابع مثلث الرحمات عظماء أخرون من كنيستنا الجبارة ولكنها ظلت عظمتها كما هي لا تهزها الأقدار وأحداث الحياة المأساوية، فالموت لنا جميعاً وأن تأخر فهو قادم لا محال . ولكن الرب باقٍ والأيمان ثابت لا يتزعزع. فكل مرة يرحل عنا ومنا رجل عظيم في هذه الأمة الجريحة أزماناً يحتار الضعفاء ويهتز أيمانهم لا بل يذهب بعضهم بعيداً على أن الكنيسة ستهز أركانها وينشق صفها لا بل سيتغير مسارها. اما من أمن بالرب وهم الجمع الأعظم وبتاريخ هذه الكنيسة وهم الأكثر فأنه يعرف أن في مجمعها المقدس تسكن أرواح كل أولئك القديسين الذين وهبوا حياتهم وخدماتهم الجليلة لهذه الأمة الحية ابداً والتي حاول عبر الزمان الألاف من المتربصين بها لمحوها وطمسِ وجودها.
ونحن نعرف جميعاً أن كنيستنا تواجه هذه الأزمنة والأوقات أقسى أنواع الأرهاب وأشرسها وأكثرها بطشاً بنا وبتاريخنا. فشعبنا يشهد والعالم يشهد معه تدمير كنائسه ومدنه التاريخية وحتى مقابره لم تسلم على أيدي ارهاب هذا الزمان والعالم كله صامت، كأنما هو شريك لهُ ومخطط أن يكون هذا لهذا الشعب المسالم على مدى القرون . لست هنا لأطيل في هذا الجانب السياسي فهو واضح كالشمس لكل البشر في أرجاء المعمورة في زمن أصح التواصل عبر الأنترنيت والفضائيات قادراً على اظهار كل الحقيقة . لقد حلت غيوم سوداء على أمتي وكنيستي والأمة الأشورية روحها هذه الكنيسة التي لعبت دوراً رائداً ومستمراً في حفظ كيان هذه الأمة ولغتها وتواصلها وحتى وجودها. لقد كانت وستظل جامعة لنا عبر اطراف العالم الممتد وتزرع فينا كل يوم أمل جديد في بقاء هذا الشعب حياً يتكلم أشوريته ويتعمق ايمانه بكنيسته التي نفخت روح الحياة في كياننا وأنسانيتنا وبقاءنا كشعب لأول حضارة عرفها التاريخ على وجه الأرض. ونحن بين هاجس هجمات الأرهاب وأمل الديمومة وبين كل الهواجس عبر الزمان وأحداثه الأليمة على كنيستنا وأمتنا وبين حبنا لأيماننا بالرجال الذين وهبوا حياتهم لخدمة كنيستنا وشعبنا بين كل هذا و ذاك ترنوا عيوننا وتخفق قلوبنا لربوع الوطن حيث يجتمع المجمع المقدس لأنتخاب بطريك راعي جديد لكنيستنا العريقة . نحن نعرف علم اليقين بأن الشمس ستشرق على كنيستي وأمتي دوماً، الشمس الدافئة التي لن تغادرها وسينهض في بينهم جبار أخر كسلفه ليقود مرحلة جديدة في تاريخ كنيستنا سيكون اكثر اشراقاً بنعمة الرب وأكثر عطاءاً ببركة الأب وأكثر طاقة وحكمة بقدرة الخالق وهذا هو عهدنا برجال كنيستنا. نحن بأيماننا نصلى من أجلهم كما هم يصلون هم من أجلنا ونحن نستحضر أمامنا تاريخ لا يستطيع قلم ان لا يكتب فيه وشعب مؤمن ما استطاع انسان الا ونطق بأسمه وكنيسة عتيقة عتق بدء المسيحية لم يستطيع أحد أن يوقف عطاءها . هناك رجال فيها خزين ايمان اقوى من حياة الدنيا وفيها محبة أكثر من حب النفس لذاتها. فيها أيادٍ بيضاء تحمل حمامة السلام حتى لأعداءها وفيها قلوب تحمل الخير لكل البشرية . وفيها ارادة لا تلين حتى امام جبروت أرهاب هذا الزمان وما قبله .
هناك في أرض الوطن وشماله حيث تحتضن جباله تاريخ طويل لشعبنا وكنيستنا يجتمع أهل المحبة والسلام من أجل ان يكون هناك بطريركاً جديداً لنا يأخذ من الزمن العابر دروس الماضي ومن سلفه خبرة التأخي ومن روح شهداء الكنيسة والأمة حب الجمع لنسير معاَ على درب الأيمان في كنيسة كما عرفها التاريخ بخصوصيتها وأصالتها وسلام مع النفس قبل الأخرين وخلود مع الرب حيث الحياة الأبدية .
طوبى لأولئك الذين سقطوا احراراً على منابر كنائسنا شهداء قديسين وطوبى لأولئك الذين رووا بدمائهم معابر حرية الأنسان وطوبى للذين وهبوا حياتهم مشاريع استشهاد ونضال من اجل ان يعيش شعبهم بطمأنينة وسلام . فالمسيح ضحى من اجلنا ونحن يجب ان نضحي من اجل الأنسان الذي ضحى المسيح من اجله .
صلاتنا من اجلكم ايها الأحبة الأعزاء في المجمع ودعواتنا لكم ايها الناطرون بقلوبكم ليولد يوم جديد على كنيستنا تطل عليه شمس الحرية والسلام والمحبة والوئام ومن ربنا التوفيق ولكم دعواتي وصلواتي من اجل خير الكنيسة والأمة المعطاة. لينعم البطريرك مار دنخا الرابع بملكوت السماء وهو الأن على يقين بأن خلفه لن يخذله كما هو لم يخذل الذين من قبله ونحن كلنا ندعوا للرب ونصلي أن تكون افراح امتي ايمانها وخلودها اخلاصها للأنسان فهو اخلاص للرب وأن يضع الكل انانيته جانباً ليكون خلاص الجميع هو خلاصه من يحسب في الدنيا حساب النفس.
يقول الرب ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه وما من أحد يريد ان يخسر نفسه ولكن في الحياة دروس وعبر وخير لمن أخذ الدرس وأعتبر. وأخيراً وليس خاتمة بل أجدد روح الأمل في هذه الكنيسة العظيمة عبر تاريخها لهذه الامة التي لا تموت أطلاقاً، ولا يحنوا رجالها كما لم يحنوا عبر التاريخ لمن قطعوا رؤوس قديسيها بل زادتهم ايماناً وتشبثاً بعراقة التأصل وها هو شعبي في كل مكان وزمان يبني وينشد في كنائسه اسماء قديسيها الذين يحملون الراية الواحد تلو الأخر .