كلمة غبطة المطران مار كيوركيس صليوا التي ألقاها خلال القداس التأبيني لرحيل قداسة البطريرك
ألقى غبطة المطران مار كيوركيس صليوا ونيافة الاسقف الدكتور مار آوا روئيل، كلمة تأبينية باللغتين الاشورية والانكليزية أثناء القداس التأبيني لرحيل مثلث الرحمات قداسة البطريرك مار دنخا الرابع.
ادناه ترجمتها الى العربية
اليوم بقلب مفعم بالحزن، والاسف الشديد، أتممنا خدمة الموتى الخاصة بآباء الكنيسة لراحة نفس البار بالله مار دنخا الرابع الجاثاليق بطريرك كنيسة المشرق الاشورية: الذي انتقل من هذا العالم الى جوار ربه ومخلصه يسوع المسيح.
انتقل قداسته من عالم الضيقات الى مسكنه الابدي في يوم الخميس 26 من شهر آذار سنة 2015 ميلادية بعد اداءه الخدمة الروحية والطويلة التي بلغت 65 سنة لكنيسة المسيح والامة الاشورية.
ولد قداسته من امه بنـّــا ابنة كاكو ووالده اندراوس ابن القس بنيامين سورو في قرية دربدوكي في منطقة اربيل سنة 1935 ميلادية. ونشأ وترعرع في اسرة كان لها تاريخ طويل من الخدمة في كنيسة المشرق.
هكذا وهو صغير السن تتلمذ وتثقف بالتعليم المسيحي والكنسي على يد البار مار يوسف خنانيشوع ميطرابوليط عيلام تبارك ذكره. ومن سنة 1947 امضى شبابه بالقراءة والنضج في التثقف على يد المرحوم مار يوسف خنانيشوع المطرابوليط.
سنة 1949 سيم خنانيا دنخا شماسا بوضع يد المرحوم المطرابوليط المذكور وفي سنة 1957 سيم كاهنا وارسله الى ايران في نفس السنة. وفي ايران بدأ الكاهن خننيا من بيت مار دنخا خدمته الكهنوتية بنشاط لتنظيم الكنيسة في البلد المذكور. ان محبة قداسته واهتمامه اثرت في رفعه سنة 1962 ميلادية الى الدرجة الاسقفية على منطقة ايران على يد قداسة البار مار ايشاي شمعون 23 الجاثاليق بطريرك كنيسة المشرق الاشورية تبارك ذكره.
كان الاشوريون في ايران ومن جميع الملل، شاهدين على اعمال وافعال الاسقف مار دنخا: الذي كان مثل اب نشيط، استطاع ان يجمع القطيع المبعثر لابناء كنيستنا في ايران، ووحدهم ليعملوا مع بعضهم البعض تحت تدبيره الروحي، فبنى الكنائس والقاعات واسس المدارس لتعليم اطفال ابناء كنيستنا وامتنا. وكان ايضا يتلمذ الشباب ليتأهلوا لدرجة الشماسية والكهنوتية لكي يعملوا بهمة لنهضة وتقدم كنيسة المشرق الاشورية في دولة ايران.
أستطاع آشوريو ايران، وتحت رعاية اسقفهم، أن يؤسسوا المجلس القومي الاشوري الذي زاد روابط المحبة والاخوة بين جميع ابناء شعبنا في ايران. ولهذا وحتى هذا اليوم، ما يزال اثر عمل ومحبة ونشاط الاسقف مار دنخا، مطبوعاً في قلب الكثير من مؤمني جميع الكنائس في ذلك البلد.
في سنة 1975، وحيث كانت كنيسة المشرق الاشورية تعمل في ظروف صعبة جداً، والتي كانت منها، وفاة المرحوم مار ايشاي شمعون الجاثاليق البطريرك. اجتمع الاساقفة في انكلترا وانتخبوا بالاجماع الاسقف مار دنخا ليتسنم درجة البطريركية على كرسي ساليق وقطيسفون في يوم 17 تشرين الاول سنة 1976 ميلادية.
وسبب انعقاد السنهادوس في انكلترا، كان ان السلطات العراقية انذاك، لم تمنح موافقتها على انعقاد السنهادوس او المجمع المذكور في بغداد. ولهذا اضطرت الكنيسة لعقد المجمع في لندن في انكلترا. لانه كان هناك عدد كبير من بني كنيستنا في ذلك البلد من الذين اخذوا على عاتقهم ثقل التنظيم وتحضيرات اقامة الأساقفة، وتكلفة كل ايام انعقاد المجمع السينهادوسي.
رئيس ومسؤول المجمع آنذاك كان المرحوم لله الميطرابوليط مار يوسف خنانيشوع الذي وبسبب شيخوخته لم يستطع المشاركة في المجمع. ولهذا فقد أرسل رسالة يمنح فيها موافقته على جميع القرارات التي يتخذها اخوته الاساقفة اعضاء المجمع. عندها تم عقد المجمع برئاسة البار مار تيموثاوس ميطرابوليط الهند الذي كان على رأس السايمين في ذلك اليوم ليتسنم مار دنخا سدة البطريركية، باسم مار دنخا الرابع، الجاثاليق بطريرك كنيسة المشرق على الكرسي التاريخي لساليق وقطيسفون. وفي ذلك اليوم نفسه رفع المرحوم لله مار نرسي دباز اسقف لبنان الى درجة الميطرابوليطية، والمدبر البطريركي العام لكنيسة المشرق الاشورية في العالم.
تحت الادارة البطريركية لمار دنخا الرابع، يبدأ فصل جديد لتغيرات ونهضة تاريخية في حياة كنيسة المشرق. ويصبح أبناء وبنات الكنيسة شاهدين ومشاركين في مسيرة النهضة الروحية والقومية في كنيستنا وامتنا حيث نجد الشباب الغيور، يقبلون ويقدمون انفسهم للعمل في المجالات الكنسية.
ولمرات عدة، حاول قداسة البطريرك مار دنخا، ان يعيد كرسي البطريركية الى العاصمة بغداد ولكن للاسف ذهبت جميع هذه المحاولات سدى، لان السلطات العراقية السابقة كانت تضع شروطا صعبة على البطريرك الذي كأب عام وذو احساس بمسؤولياته الكبيرة التي حملها على اكتافه، لم يقبل ان تصبح الكنيسة تحت اي تأثير سياسي لأي سلطة كانت.
ومنذ اليوم الذي اخذ على عاتقه الجاثاليق مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الاشورية مسؤولية البطريركية، شرع وبكل همة وبلا تقاعس لانضاج خدمته الرسولية مثا أب كلي، لكنيسة المشرق. أن حمل هذه المسؤولية الكبيرة، لم توقفه من ان يكون ذلك الراعي الصالح القريب من بني كنيسته في كل مكان يتواجدون فيه.
قداسة مار دنخا الرابع، يبدأ بفتح باب جديد مع جميع رؤساء الكنائس المختلفة وشرَّعَ الحوار الاخوي معهم. حيث يعلم كم ان المسيحيين في العالم، بحاجة الى الوحدة لاغناء الوجود الذي يقوي عضويتهم في المشرق. حيث كان لقداسته نظرة بعيدة وعميقة حول ظروف ومستقبل المسيحيين في المشرق.
هكذا يشرع بافعال روحانية في حقل الحوار، بلقاء اول مع المرحوم لله قداسة مار يوحنا بولس الثاني اسقف روما عام 1978.
لقاؤه الثاني مع قداسة البابا كان عام 1984 ميلادية. وفي هذا اللقاء التاريخي اقترح قداسة مار دنخا ان يجتمع أساقفة وكهنة من الكنيستين بمحبة وأخوة، لدراسة والنظر في حل الاشكالات التي كانت السبب في ابتعاد هاتين الكنيستين الشقيقتين، عن بعضهما البعض.
وعند سماع، قداسة مار يوحنا بولس الثاني، بابا الكنيسة الكاثوليكية، هذا المقترح من اخيه فرح جداً. وكانت النتيجة تأسيس لجنة مشتركة بين الكنيستين لهذا الغرض.
واستطاعت اللجنة المشتركة، من صياغة الاعلان الكريستولوجي الذي اختتم بتوقيع قداسة المرحوم ، مار يوحنا بولس الثاني، بابا روما، وقداسة المرحوم مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق.
وأعتبر الاعلان الكريستولوجي هذا، اعلاناً رسمياً، حيث تم فيه كشف التعليم الكريستولوجي لكنيسة المشرق للعالم الغربي. اليوم الكثير من المدارس الكنسية في العالم، ولغرض البحث في ايمان وتعليم كنيسة المشرق، يعتمدون على الاعلان الكريستولوجي كمصدر رسمي للمعرفة.
ومن بعد هذا الاتفاق، بدأ قداسته الحوار مع الكثير من الكنائس الشرقية والغربية، لهذا الهدف. مثل الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية، الكنيسة السريانية الارثوذكسية، الكنيسة اليونانية، الكنيسة القبطية. وهو يمد يد السلام والاتحاد الحقيقي مع رؤساء هذه الكنائس. وهذا الفعل كان متأتياً من عمق ايمانه ومحبته للسلام والوحدة الكنسية.
قداسة مار دنخا الرابع، كتب عددا كبيراً من التراتيل الكنسية باللغة الدارجة الحديثة، لتترنم بها جوقات المغنين في الكنيسة اثناء تقديس سر القداس. ونجد فيها أن أبناء الكنيسة، يصلون من اجل العالم كله، لكي يحل السلام والأمان فيه، ومن اجل كنيسة المسيح على الارض. وفي بعض هذه التراتيل يقدم قداسته الصلاة من اجل كنيسة المشرق والشعب الاشوري المنتشر في بلدان مختلفة من العالم.
بتاريخ 15 تموز في سنة 2007 ميلادية، احتفلت كنيسة المشرق المقدسة الرسولية الجامعة في كل العالم، باليوبيل الذهبي الكهنوتي لقداسة مار دنخا الرابع. حيث أكمل في هذا التاريخ، مدة ( 50) خمسين عاماً كخدمة كهنوتية في كنيسة المشرق، و 33 ( ثلاث وثلاثين) عاماً من الخدمة البطريركية.
يرينا تاريخ كنيسة المشرق انه من بين 120 بطريركا خدموا كنيسة المشرق، فأنه هناك فقط 20 منهم قادوا هذه الكنيسة كبطريرك لمدة تطول عن 27 ( سبعة وعشرين) عاماً، وهوذا قداسة مار دنخا، مثل ملاح ماهر، وبكل ثقة وحماس وبلا كلل وبمحبة لكنيسة المسيح، يقود سفينة هذه الكنيسة المقدسة الى شاطئ الامان والسلام حتى عام 2015.
لدينا الكثير لنقوله عن خصائص وعن المحبة الاخوية التي كانت متميزة في شخص المرحوم قداسة مار دنخا الرابع، ولكن ضيق الوقت اليوم، لا يتيح لنا تعدادها جميعها، ولكن بامكاننا القول ان مكانة قداسته ستبقى في فكر وأحاسيس أخوته أعضاء المجمع السينهادوسي وفي جميع مؤمني كنيسة المشرق الاشورية وبقية الكنائس الشقيقة.
وعن المرحوم لله، يليق جدا ما كتبه مار بولس الرسول الى تيموثاوس اذا قال:
“جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان. وأخيراً قد وضع لي إكليل البر، الذي يهبه لي في ذلك اليوم، الرب الديان العادل، وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضا.” (2 طيموثاوس 4: 7-8 )
وفي الختام انني واثق ان قداسته اليوم يصلي من اجلنا جميعاً، وهو في حضن ربه يسوع المسيح. يطلب التقدم وحماية كنيسة المشرق التي أحبها، ولابنائها وبناتها، ولكل الكنائس المسيحية وجميع السلطات الذين مدوا ويمدوا يد المساعدة لأبناء وبنات كنيسة الأمة، وخاصة الذين في الشرق الاوسط الذين يتعرضون ألان الى ظلمٌ قاسي.
وبالإنابة عن اعضاء المجمع المقدس لكنيسة المشرق الاشورية، نقدم شكرنا الجزيل لكل ممثلي السلطات والكنائس الذين جاءوا اليوم وشاركونا بحزننا، وتعزيتنا، برحيل المرحوم لله، مار دنخا الرابع الجاثاليق البطريرك. وكذلك نقدم شكرنا لكل الجماهير التي حضرت اليوم هنا معنا في هذه الخدمة الروحية، ولكل الذين في البلدان المختلفة في العالم الذين يشاركوننا الصلاة.
نعمة ربنا يسوع المسيح تكون معكم الى ابد الابدين.