بتاريخ 15/8/2011، ولمناسبة تذكار القديسة مريم العذراء، وامام قناتي الحرة والعراقية الفضائية، القى غبطة المطران مار كيوركيس صليوا، الوكيل البطريركي لكنيسة المشرق الاشورية في العراق وروسيا، كلمة قيمة في كنيسة مريم العذراء في منطقة بغداد الجديدة.
ادناه نص الكلمة باللغة العربية.
تحتفل الكنيسة في هذا اليوم الخامس عشر من آب في كل سنة باقامة القداس لمناسبة تذكار مريم العذراء، أم مخلصنا يسوع المسيح. حيث لهذه المناسبة ميزة خاصة في قلوب وايمان المؤمنين من ابناء الكنيسة، تقديراً لهذه العذراء التي بها تحقق ما قاله الرب بلسان النبي القائل: ” ها ان العذراء تحبل، وتلد ابناً، ويدعى عمانوئيل ” أي “الله معنا”.
ارسل الله الملاك جبرائيل إلى بلدة الناصرة في الجليل…. فدخل الملاك إلى مريم وقال لها: ” السلام عليك، يا من أنعم الله عليها. الرب معك”.
فأضطربت مريم لكلام الملاك وقالت في نفسها: ” ما معنى هذه التحية ؟”
فقال لها الملاك: ” لا تخافي يا مريم، نلت حظوةً عند الله: فستحبلينَ وتلدينَ أبناً تُسَميَهُ يسوع. فيكون عظيماً وأبن الله العَلي يُدعى …. “
فقالت مريم للملاك: ” كيف يكون هذا وانا عذراء لا اعرف رجلاً ؟”
فأجابها الملاك: ” الروح القدس يحل عليكِ، وقدرة العلي تظللكِ، لذلك فالقدوس الذي يولدُ منك يُدعى أبن الله. ها قريبتك اليصابات حُبلى بأبن في شيخوختها، وهذا هو شهرها السادس، وهي التي دعاها الناس عاقراً. فما من شئٍ غير ممكن عند الله”. فقالت مريم :
” أنا خادمة الرب: فليكن كما تقول”. ومضى من عندها الملاك. وفي حينه حَبلت من الروح القدس وولدت يسوع المخلص.
هذا هو خلاصة لما وَرَدَ في انجيل لوقا لهذا اليوم. وبهذا الخصوص، أي “أبن الله” سأل الخليفة المهدي الجثاليق مار طيماثأوس، بطريرك كنيستنا، في القرن الثامن بعد المسيح، سأله وقال: كيف تعتقد أن المسيح هو ابن الله؟ اجاب البطريرك : نأتي بتشبيه مأخوذ من الطبيعة. فكما تتلد الأشعة من الشمس، والكلمة من النفس، هكذا المسيح، بما أنه كلمة الله، وُلِدَ من الأب قبل الدهور.
اننا نقول ونعتقد بأن المسيح مولود من الأب بما انه كلمته، ومولود من مريم العذراء بما انه انسان. وولادته من الأب هي آزلية قبل كل الدهور، وولادته من مريم هي زمنية، دون أب ومن غير زواج، وبدون انثلام بتولية أُمَهُ.
فكما تولد الاثمار من الاشجار، والنظر من العين، والروائح من الزهور، دون انشقاق وانفصال بعضها من البعض. وكذا تتلد الاشعة من الشمس. ان الله سبحانه قادر على كل شئ، وليس عنده أمرٌ عسير.
(هذا كان جزء من الحوار الذي جرى بين الخليفة والبطريرك)
أن المؤمنينَ يشعرون براحة روحية ونفسية عند حضورهم الكنيسة، ولأن بيت الله هو الملجأ الروحاني لهم في هذه الظروف الصعبة، وما يأتي في الانجيل هو المرشد الانساني والثقافي والحضاري لهم. لذلك وكما نرى اليوم وبالرغم من حرارة شهر آب، وبالرغم من صعوبة الوصول الى الكنيسة للكثيرين منهم في الوقت المعين بسبب كثرة نقاط السيطرة في المدينة، بالرغم من كل ذلك، فأن الحضور نعتبره كبيراً جداً مقارنةً بالظروف الصعبة التي تواجههم. ولكنه قليلٌ جداً لو قارناه بما كان قبل الغزو الامريكي للبلد في 2003.
فمنذ ذلك الحين بدأ العدد يقل في كل سنة عن ما كان قبلها لأسباب نعرفها جميعاً. ففي وقتها كانت هذه الكنيسة ” كنيسة مريم العذراء” في هذه المناسبة تمتلئ عدة مرات. والتناول كان يستغرق عدة ساعات. والان قلت تلك الاعداد، وقد لا تمتلئ الكنيسة اكثر من مرتين. وهكذا هو الحال مع بقية الخورنات والكنائس وفي مختلف المناسبات الكنسية.
وسبب كل ذلك هو: لجوء العوائل الى مناطق اخرى أكثر أمناً واستقراراً، أو الهجرة المضطرة الى بلدان اخرى انقاذاً لأنفسهم ولأبنائهم ولأجيالهم وذلك هرباً من مستقبل غامض بسبب الحوادث المخيفة والمستمرة من القتل والاختطاف وتفجيرات بيوت الله، وبسبب عدم الاستقرار في الوضع السياسي والأمني والاقتصادي والحياتي في البلد. ( ونحن في طريقنا الى الكنيسة سمعنا بخبر تفجير كنيسة في كركوك هذا الصباح ).
ومع هذا كله، وبدون الاطالة في الموضوع المعروف للجميع … مع كل ذلك، لا زلنا نعيش في الأمل النابع من ايماننا وحبنا للوطن، بأننا سنصل الى نهاية هذا النفق المظلم المخيف. ونحن نزرع هذا الأمل في قلوب المواطنين الابرياء. وفي كل قداس نبتهل الى الله لكي يَمطِر بركاته على أرض العراق، مهد حضارتنا الأنسانية الأولى، ومهد وجودنا القومي، ومهد مسيحيتنا التي اشرقت بنورها السماوي علينا في منتصف القرن الأول الميلادي، على يد رسل المسيح، ومنها انتشرت وتوسعت الى الدول المجاورة وصولاً الى بلدان بعيدة كالهند والصين.
اننا في كل صلاة وقداس نبتهل الى الله لكي يُهدي رجالات السلطة والمسؤولين السياسيين كل المقدرة والحكمة والصبر والتواضع، ووضع جانباً كل الخلافات والصراعات السياسية والمذهبية، والقضاء على الفساد الاداري والمالي في البلد الذي هو ملك الشعب، والعمل بكل ما هو خير لهذا الشعب الآبي، الذي عان الكثير الكثير، ولا يزال يعاني معاناة لم يكن يتوقعها أن تحدث له في بلد قد اغناه الرب بكل خيراته وبركاته.
هذا الأمل هو الذي يجعلنا أن نواجه هكذا ظروف صعبة ونقول: سيأتي ذلك اليوم الذي فيه ستحقق اماني الشعب العراقي ويمارس فيه أبناء كل مكوناته حقوقهم الانسانية والوطنية، والتفرغ بكل طاقاتهم وامكانياتهم في بناء ونهضة عراقنا العزيز.
اننا نتطلع الى اليوم الذي فيه سنسمع فيه اصوات المآذن والنواقيس من تلك دور العبادة التي فُجرت، ونرى أرض العراق المباركة خضراء يانعة ومعطاة.
اننا نتطلع الى اليوم الذي فيه سيقوم الطفل العراقي برسم صورة حمامة أو زهرة أو قوس قزح بدلاً من صورة صاروخ أو دبابة.
اننا نتطلع الى اليوم الذي فيه ستقوم الأُم العراقية المسلمة بأخذ اطفالها الى منتزه المنطقة في جوٍ ملئ بالهدوء والامان وتجلس بجانب جارتها الأُم المسيحية وتتبدلان الحديث عن مستقبل اطفالهما.
اينما يوجد الايمان توجد المحبة، واينما توجد المحبة يوجد السلام، واينما يوجد السلام يوجد الله، واينما يوجد الله … يتحقق ما يحتاجه الانسان.