أجرى الحوار : سالم إيليا
في بداية لقائي هذا أرحب بسيادة المطران الجليل مار عمانوئيل يوسف مطران أبريشية كندا لكنيسة المشرق الآشورية في أدمنتن عاصمة إقليم البرتا الكندي، فأهلاً وسهلاً بسيادة المطران بين أبناء رعيتهِ .
ردّ سيادتهُ كلمة الترحيب قائلاً :
شكراً جزيلاً وإنني أرحب بلقاءكم والحديث اليكم ومن خلالكم لجميع القرّاء من أبناء شعبنا أينما وجدوا داخل الوطن أم خارجه .
ـ إذناً سؤالي الأول سيدي الجليل : هل هذه الزيارة هي الأولى لمدينة أدمنتن أم كانت هنالك زيارات سابقة وما هي الأقاليم التي شملت زيارتك الحالية ؟ فأجاب سيادته
ـ بالطبع كانت لنا زيارات سابقة لإقليم البرتا وكانت أول زيارة لنا حسب ما أتذكر في سنة 1991م وشملت مدينتي أدمنتن وكالكري .
أما بالنسبة لزيارتنا الحالية والتي تأتي متزامنة مع عيدي الميلاد ورأس السنة المجيدين حيثُ توجهنا من مدينة تورنتو بعد الإنتهاء من إقامة قداسي الميلاد بصحبة الشماسين خالد وسامي مباشرةً الى مدينة فانكوفر في أقليم بريتش كولومبيا في أقصى الغرب الكندي وأقمنا هنالك قداس العيد أيضاً لأبناء الرعية وقمنا بخدمات أخرى بمناسبة تواجدنا هنالك حيثُ أقمنا مراسيم العماذ لأحد أطفال الطائفة ثم توجهنا بعد ذلك الى أقليم البرتا وأقمنا قداس في مدينة أدمنتن لأبناء الرعية حيثُ إنظمّ الينا الشماس يوخنا ريحانة لخدمة القداس في أدمنتن الذي أقيمِ في اليومِ الأولِ من السنةِ الجديدةِ 2011م .
ـ شكراً سيادة المطران وسؤالي الثاني هل نستطيع القول إنّ الكنيسة تعتبر العمود الفقري للجسد المسيحي بمختلف قومياته وخاصة في الشرق وتحديداً في العراق وفي هذا الظرف بالذات ؟ ردّ مار عمانويل قائلاً :
ـ بالطبع بالنسبة لنا كمسيحيين عراقيين ومع إختلاف تسمياتنا لكن المسيحية توحدنا وجميعنا نفتخر بإنتماءنا المسيحي ولنا جذور تاريخية عميقة تؤكد أصالتنا في بلدنا العراق والمسيحية دخلت الى العراق في القرن الأول الميلادي وإعتنقها السكان الأصليون الذين نحن إمتداداً لهم وجميعنا بكل تسمياتنا ننتمي الى كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية وبمعموذية واحدة ونؤمن بأسرارها ، وهذا الإنتماء مشترك بين جميع المسيحيين على الرغمِ من إنّ هنالك بعض الخلافات القليلة والبسيطة والتي لا تؤثر على جوهر الإنتماء المسيحي لنا والأهم من ذلك إننا متحدون جميعاً بجسد المسيح الذي هو رأس الكنيسة .
ـ أنتقل الى سؤال آخر سيدي المطران : ما هو رأي الكنيسة فيما يحدث الأن من تهجير وتنكيل لشعبها المسيحي في العراق ، وهل تفاجأ رجال الدين بهذا المصاب أم كان لديهم تصوّر مسبق لِما يحدث الآن نتيجة التغيير السياسي الذي حصل ؟ أجابني مشكوراً
ـ ما يحدث الآن في العراق شيء مؤسف كثيراً ، فالكنيسة بالطبع كان لديها تصوّر من تجارب سابقة عبر التاريخ ، حيثُ مورس على مؤمنيها إضطهادات في أزمنة مختلفة ولكننا كنّا نتمنى أن لايحدث ما حدث خاصة لنا كمسيحيين عراقيين إذ أنّ المشاعر والأحاسيس الإنسانية قد تطورت وتعمقت أكثر بين سكان الكرة الأرضية في القرن العشرين وبداية القرن الحالي ، وحيثُ أثبتنا إنتماءنا وإخلاصنا لوطننا العراق وشاركنا على مر العصور ببناءه وتقدمه في كل الميادين ، كما وإننا كمسيحيين لم نتوقف أبداً عن عكس رسالتنا الإنسانية في بث روح المحبة والتسامح لكل الذين يشاركوننا العيش في بلدنا والتي نادت بها كل الأديان السماوية وكان قاسمها المشترك هو السلام والمحبة والتسامح بين البشر أجمعين ، لِذا ترانا ننبذ العُنف والإرهاب بكل أشكالهِ وصورهِ ومن أيةِ جهةٍ كان .
ـ سؤالي التالي يدور حول كنيسة المشرق الأشورية والتي تُعتبر من أقدم الكنائس الرسولية المشرقية إن لم تكن أقدمهم على الأطلاق ومنها إنبثقت الكثير من الكنائسِ الشقيقة الأخرى ، فهل يشعر سيادة المطران بأنه لا يزال هنالك ترابط قوي بين كل هذه الكنائس مع كنيسة المشرق الآشورية وخاصة الإشتراك في الأفخارستيا وسر تقبل القربان المقدس ؟ وكان جواب سيادة المطران
ـ كنيسة المشرق الآشورية هي من أقدم الكنائس الرسولية المشرقية والتي نُعِتت بهذا الإسم لوقوعها شرق الإمبراطورية الرومانية وداخل حدود الإمبراطورية الفارسية .
ولكنيسة المشرق الآشورية تاريخ طويل وكبير ، فقد حدثت بعض الإنقسامات الكنسية وفي أزمنة مختلفة وهي إنقسامات مؤسفة لأنّ المسيح أسس كنيسة واحدة إنجيلية رسولية أي إنها كنيسة جامعة عالمية ، لِذا فإنّ نظرة كنيسة المشرق الآشورية الى شقيقاتها الكنائس الأخرى هي نظرة إرتباط جوهري وإن الإنقسامات التي حدثت هي إختلاف وجهات نظر ولإسباب سياسية وليست إختلافات جوهرية لاهوتية .
ـ أنتقل سيدي المطران الى السؤال عن وضع المؤمنين في المهجر ، فكما تعلم ليس من السهولة إقامة أو بناء كنيسة لكلِ طائفةٍ في كل مدينةٍ من مدنِ المهجر خاصة وإنّ عدد المؤمنون قليل مقارنةً بداخل العراق ، لذا جرى الإتفاق بين جميع الكنائس للطوائف المسيحية المشرقية على السماح لمؤمنيها بحضور القداديس للمذاهب الأخرى وتناول القربان المقدس إذا تعذّر وجود كنيسة لهم في تلك المدينة ، فما هو تعقيبك على ذلك ؟ فأجاب مشكوراً
ـ رأيي هذا ليس رأياً شخصياً وإنما هذا التوجه يأتي من صلب الإيمان المسيحي ، فالمسيحية الحقيقية هي الإيمان التام بمبدأ الشراكة والإتحاد التام معاً وتحت مظلّة الإيمان بالرب يسوع المسيح ومن هذا المنطلق تكلل الحوار بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الكاثوليكية في سنة 1994م على أن تقوم أياً من هاتين الكنيستين بالخدمات الكنسية واللاهوتية لأبناء رعيتهما في أي مكان في المهجر أو أي مكان آ خر إذا تعذّر وجود كنيسة خاصة بأحدهما في ذلك المكان .
والحقيقة نرى هذا التوجه مطبقاً الآن وبشكل مفرح في أدمنتن وفانكوفر وفي أماكن كثيرة في العالم ، وقد شجعنا ونشجع الآن أبناء الطائفة للذهاب الى الكنائس الشقيقة وخاصة الكنائس الكلدانية والكنائس الرسولية الآخرى في حالة تعذّر إقامة القداديس بفترات قريبة ودورية من قِبلنا وأعتقد بأنّ هذا التوجه قائم من قبل الكنائس الشقيقة الأخرى بتشجيع أبناء طوائفها لذات الشئ .
ـ لأخرج قليلاً سيدي المطران من نطاق العلاقة بين الرعية وكنيستهم وأنتقل الى موضوع التجاذبات بين بعض العلمانيين من مختلف القوميات والإنتماءات الأصيلة للشعب المسيحي في العراق والتي ولـّدت بعض المماحكات والحساسيات وردود الأفعال فيما بينهم ووسعت الفجوة بين آرائهم مما سهل لبعض الأطراف المستفيدة والمتربصة على الإنقضاض على الشعب المسيحي في العراق وتنفيذ مخططاتهم لإفراغه من مكوّنه الأصلي ، فما قول الكنيسة في هذا الشأن ؟ فكان رد سيادته
ـ بالطبع للعلمانيين أفكارهم الخاصة بهم ولكننا كشعب مسيحي أصيل في العراق نعيش وقتاً صعباً وحساساً ، لِذا فمن المفترض أن نكون أكثر إتحاداً وقـُرباً من بعضنا البعض ويجب أن نضع المحبة التي أوصى بها سيدنا يسوع المسيح نصب أعيننا ولتكن هذه المحبة فيما بيننا رسالة الى الطرف الآخر وعليه فمن المفترض التوقف عن أياً من المقالات الجارحة أو تلك التي تثير المشاعر للبعض من هذا الطرف أو ذاك ، بل على العكس تماماً يجب على المثقفين والمهتمين بالإنتماء القومي من جميع الأطراف التركيز في مقالاتهم وأدبياتهم على المحبة ووحدة المصير وإثارة النخوة لرص الصفوف لمواجهة التحديات في هذا الزمن الصعب وكما يقال فإننا جميعاً نبحر في قاربٍ واحدٍ ، إذا تعرض للخطر لا قدّرالله فإنّ الجميع سيواجهون نفس المصير .
ـ فقلتُ معقباً : إذاً سيادة المطران هذه رسالة واضحة ودعوة الى جميع الفرقاء لتوحيد الكلمة وكذلك هي رسالة لجميع الناشطين القوميين على أن يعوا هذه المسألة الخطيرة .
إنتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني من المقابلة