برعاية المجلس القومي الكلداني، غبطة المطران مار ميلس زيا يقدم قراءة لمستقبل الوجود المسيحي في المهجر والداخل
بتاريخ 12/11/2014، وفي قاعة لانتانا في سيدني، وبحضور كل من السيد مظفر الجبوري، نائب القنصل العالم لجمهورية العراق في سيدني، والسيد هافال سيان، ممثل أقليم كردستان في استراليا، استضاف المجلس القومي الكلداني، فرع استراليا ونيوزيلاند، غبطة المطران مار ميلس زيا، الوكيل البطريركي لكنيسة المشرق الاشورية لابرشيات، استراليا، نيوزيلاند ولبنان، لغرض القاء محاضرة تعبر عن نظرة عامة لمستقبل كنائس شعبنا، الاشورية والكلدانية والسريانية والتحديات التي تواجهها في كل من الداخل والمهجر.
في البدء، القى السيد سمير يوسف، عضو اللجنة المركزية للمجلس القومي الكلداني ومسؤول استراليا ونيوزيلاند، نظرة عامة عن أحوال شعبنا والتحديات التي تواجهه، ومتطلبات المرحلة الحالية، ومقدماً نبذة مختصرة عن السيرة الذاتية لغبطة المطران مار ميلس زيا.
ثم القى غبطته محاضرته التي تناولت كنيسة المشرق بشكل عام، ومحطاتها المؤلمة من الانقسامات والتحديات، مستقبل الكنيسة في العراق، التحديات ومستقبل الكنيسة في المهجر، والاستراتيجيات المتخذة لمواجهة التصحر في الهوية والانتماء.
في المحور الاول، تناول غبطته احوال كنيسة المشرق منذ القرون الاولى للمسيحية، والاضطهادات التي مرت عليها ومن ثم علاقتها بالاسلام عند دخوله الى ما بين النهرين والدور الكبير الذي لعبه المسيحيين في الحضارة العربية.
في المحور الثاني تطرق غبطته الى النقاط التي تضعف المجتمعات المسيحية في الوطن والمهجر على حد سواء، داخل مؤسساته الكنسية والعلمانية والتي جعلت من الكنائس اسيرة الارث الثقيل لصراعاتها اللاهوتية، من جهة، والافتقار الى موقف مسيحي وجبهة مسيحية موحدة في التعامل مع الاحداث والازمات وتقديم الرؤى والتصورات من الجهة الاخرى. ثم عرج غبطته الى العلاقة بين الكنائس ومواقفها القومية، ودخول الكنيسة طرفاً في اللعبة السياسية والاصطفافات والصراعات التي فيها، وتشتت والصراع بين القوى السياسية المسيحية وافتقارها الى اطار عمل يقوم على الحد الادنى من الثوابت والاتفاق على الاولويات، وجر الامور الى صراعات داخلية تشتت الجهد والوقت في امور وقضايا ثانوية في الوقت الذي كان الشعب ووجوده يستنزف ويهدد ويهجر.
مستقبل الكنيسة في العراق كان الجزء الاهم والثالث في المحاور للمحاضرة، فقد تناول غبطته مسالة استهداف التنوع الديني والعرقي والتدافع المذهبي والحضاري في المنطقة والتي تلقي بظلالها على مستقبل الحضور المسيحي في الاجيال القادمة، متناولاً تاثير رحى الحروب على افراز حركات اصولية ومتطرفة التي تعمل على انماء ثقافة الكراهية والاقصائية تجاه الاخر من اجل تحويل المنطقة الى بيئة طاردة للتواجد المسيحي، متناولاً التحديات الاقتلاعية والدموية التي تحيط بالمسيحيين والتي تؤدي بهم الى الهجرة القسرية او الطوعية.
وشدد غبطته خلال هذا المحور، على أهمية ارتكاز مستقبل الوجود المسيحي في العراق وعموم الشرق بتحسن العلاقة والحوار مع المسلمين من جهة، والتناغم ورص الصفوف بين الطوائف المسيحية من جهة أخرى. وامام تعثر احد هاذين الركنين، فقد اشار غبطته اننا لا نستطيع اخفاء قلقنا المتنامي امام ما يواجهه المسيحيين من تحدي اقتلاعي دموي والذي يلقي بظلاله القاتمة على العقود القادمة من السنين، بسبب كون العائلات المسيحية التي تهاجر من المنطقة تحت وطئة هذه الظروف، تلقي خلفها خيار العودة الى الوطن، في خانة المستحيل.
ثم بين غبطته دور كنيسة المشرق كشاهد على حضور المسيح في بلاد ما بين النهرين منذ الفي سنة، ومع ضرورة عدم الاستسلام للإرهاب الذي يطال كنائسها، فان المسيحيين يرغبون من الحكومات ان لا تتهرب من مسؤوليتها التاريخية في حماية أبنائها، وعملها الجاد مع الرجال الدين المسلمين، في تطويق التطرف الأعمى الذي يعمل على تبديد ارث التسامح والتعايش المشترك على مدى أربع عشرة قرناً من عمق الانتماء.
وفي المحور الرابع والاخير، فقد تحدث غبطته عن مستقبل الكنيسة في المهجر، حيث أوضح غبطته ان هجرة المسيحيين من الوطن الام ودوله الى دول الاغتراب ليست مطلقا نتاج هذا السياق الطبيعي بل هي نتاج ظروف ووقائع سياسية حيث انها عملية تهجير اكثر من كونها هجرة، متطرقاً الى التحديات التي تواجه الكنيسة المهجرية، كالهوية القومية، والتحديات الدينية والثقافية، والنتائج الخطيرة التي تجابه الكنيسة في حالة عدم تشريح امراض الهجرة، والاكتفاء بنظرة نرجسية في تقمص هوية سريعة جاهزة، تثقل وتفقد المواطن الشرقي لتوازنه في الغرب، متطرقاً الى سبل تعاطي الكنيسة مع محطات الهجرة الموقتة والدائمية لاتباعها، ودورها نحو الاندماج الايجابي لهم في المجتمعات الغربية بما يضمن الحفاظ على خصوصياتنا بمنأى عن التصحر في الانتماء والهوية.
وختم غبطته المحاضرة بالتأكيد على ان خلاص المسيحيين كامن في اتحادهم الاخوي المبني على مصير واحد، وبوقوفهم ومساندتهم للهيكلية الهرمية الكنسية الى عرفناها بمنصب البطريرك، وأن لا ندع أي شخص ينتقص من دور الرئاسة البطريركية في حماية الارث الكنسي، لان الكنيسة هي المنظومة الوحيدة ذي الهيكلية الهرمية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض، ومع المسيح في الطرف الاخر، لهذا يتوجب المحافظة على هذه المنظومة الهرمية بكل اقتدار.
مكتب الاعلام والثقافة لكنيسة المشرق الاشورية في سيدني