الخور اسقف يترون كوليانة يلقي محاضرة تأملية في كنيسة مارجيوارجيوس الآشورية بلبنان
يؤاش الشماس جاني / لبنان ashuramshlama@yahoo.com
القى الخور اسقف يترون كوليانة وكيل رئيس كنيسة المشرق الآشورية في لبنان يوم الجمعة 16/1/2015 محاضرة وتأمل في انجيل متي، وبحضور عدد من ابناء الأبرشية. في بداية حديثه اكد بأن كلمة “طوبى” تشير إلى “الصحة والإزدهار الروحي”. فهي كلمة تعبر عن الفرح العميق للنفس. فهؤلاء الذين يختبرون الجزء الأول من كل واحدة من التطويبات (الفقراء، والحزانى، والمتضعين، والجياع إلى البر، والرحماء، والأنقياء القلب، وصانعي السلام، والمضطهدين) سوف يختبرون الجزء الثاني منها (ملكوت السموات، والتعزية، ويرثون الأرض، ويشبعون، ويرحمون، ويرون الله، ويدعون أبناء الله، يرثون ملكوت السماء). إن المطوبين لهم نصيب في الخلاص، وقد دخلوا ملكوت الله، مختبرين لمحة مسبقة من السماء.
وبعدها فسر مكملا ما تناوله الإصحاح الخامس (13 – 22). ملح الأرض ونور العالم ان خواص الملح كثيرة فهو يجعل التافه لذيذاً . ويجذب الرطوبة المولدة للفساد ويشدد الرخاوة . وكذلك انتم اجذبوا الناس وشددوا رخاوتهم لكي لا يميلوا الى النفاق . وكما ان الملح يحفظ نفسه وغيره بلا فساد، هكذا انتم كونوا مهتمين بانفس بني البشر لكي لا ينتنوا في الخطيئة . وقد سمى المحبة ملحاً بقوله انتم ملح الارض ، اي انتم محبة الارض فيجب ان تكونوا محبين لكل الناس ، وكونوا في أمن مع بعضكم بعض ( فاذا فسد الملح ) اي هكذا انتم ان كنتم مجتهدين في الفضيلة فتنفعون انفسكم وغيركم ايضاً واذا كنتم غير فاضلين فلا تنفعون انفسكم ولا انفس غيركم . فالناس اذا فسدوا فيمكنهم ان يصطلحوا بكم .
لكن اذا عرض لكم الفساد فتهلكون انتم وتهلكون معكم آخرين . انتم نور العالم . لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل اي كما ان النور اذا اشرق يطرد الظلام هكذا انتم تطردون من الناس ظلام عدم المعرفة . ولم يقل لهم انكم نور مدينة واحدة او عشر مدن بل نور كل العالم معناه ان جميعكم نور واحد . ولا يوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال ، بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت يعني انه لا يمكن ان تتعظى وتختفي البشارة التي تكرزون بها .
الا انها ستصير مسموعة ويعلم جميع الناس في هذا العالم الذي هو بيت كبير وعظيم بل مثلما عملتُ وعلمتكم كذلك انتم اعملوا وعلّموا . وكما ان الضوء والسراج يضيئان وترى المدينة الموضوعة على جبل هكذا ايمانكم واعمالكم يرون حتى تصيروا سبباً صالحاً للناس ويتشبهوا بكم . فليضيئ نوركم هكذا قدام الناس ، لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السموات . اي اذا رأوا اعمالكم الصالحة . وقال اباكم لا إلهكم . فذلك لانه اراد ان يكرمهم ويعلمنا عن مساواته مع ابيه . فكيف هنا يقول ليروا أعمالكم وفي موضع آخر يقول لا تعلم شمالك ما صنعته يمينك . فنقول من كثرة الاعمال غير ممكن ان تختفي ولا ترى . ثم يوجد من يحب المجد الباطل ويوجد من لا يحبه . فهو يوصي الذين يحبون المجد الباطل ان لا يعلموا شمالهم وللذين لا يحبون المجد يأمرهم ان لا يخفوا اعمالهم ليصيروا سبباً صالحاً لغيرهم ويماثلوهم فيشبه الناموس بالمكيال ويشبه الانجيل بالسراج . فكأن السراج مخفى تحت المكيال لكن الآن اظهره المسيح وانار الجسد بلاهوته فتراءى لنا شمس البر . لا تظنوا اني جئت لأنقض الناموس او الانبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل ظن اليهود ان المسيح جاء لينقض الناموس مع كونهم ما كانوا يحفظونه لكنه كان مكرماً عندهم .
وكان يصعب عليهم ان ينقص منه او يزاد او يبدل منه شيء . لان المسيح كان مزمعاً ان يكمل نقصه . فإني الحق اقول لكم : الى ان تزول السماء والارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل . ( الى ان تزول السماء والارض ) اي كما ان السماء والارض لا يمكن زوالهما هكذا لا يمكن ان يزول حرف واحد من الناموس . وكما ان السماء والارض لا يزولان كذلك ما ازيده على الناموس هو كماله لا نقضه . فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا ، يدعى أصغر في ملكوت السماوات . واما من عمل وعلم ، فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السماوات . ان الوصايا التي علمها المسيح لا تغضب . فكل من نظر الى امرأة لكي يشتهيها .. ولا تحلفوا البتة .. وغير ذلك من الوصايا يسميها صغاراً تواضعاً منه . وقوله ” من يحل واحدة ” فالظن بان الخطيئة ترتكب بالارادة او بالفكر ليست صحيحاً لكن التي ترتكب بالفعل ويعلم الناس هكذا ” يدعى صغيراً ” أي يستوجب الدينونة في يوم الانبعاث. فاني اقول لكم : انكم ان لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات فيريد بالبر كل الكمال. فلا يكفي ان يحيد الانسان على الخطيئة بالفعل فقط كمثل الكتبة والفريسيين الذين يقولون لا تقتل لا تزن . لكن يجب ان يجتهد كي لا يميل الى الشر كقوله : ” لا تغضب على اخيك . والذي ينظر الى امرأة . وان لم يزد بركم ” .
فبين بذلك علاقة العهد القديم بالجديد . قد سمعتم انه قيل للقدماء : لا تقتل ، ومن قتل يكون مستوجب الحكم . أشار في قوله هذا الى الوصايا العشر التي انزلها الله بواسطة موسى . أما وصايا ربنا فهي لا تغضب على اخيك باطلاً . ومن نظر الى امرأة لكي يشتهيها . ولا تحلفوا البتة . ومن ضربك على خدك . ومن سخرك ميلاً . واحبوا اعداءكم الى غير ذلك . ثم ان الشر يكون اما بالفكر واما بالارادة واما بالفعل . فموسى قد وضع ناموساً للعمل والفعل ومنع الشر . لان الشعب في ذلك الزمان كان قاسي القلب غير مربوط بالناموس . اما المسيح فوضع الناموس منعاً للخطيئة بالارادة. لأن الناس قد بلغوا حد الكمال . ثم نقول ان موسى قد قطع الثمرة ورماها. اما سيدنا فقد استأصل الشجرة وثمرتها الرديئة . ثم ان موسى قد شجب الذين يعملون الشر فعلاً . اما ربنا فقد شجب الذين يريدون الخطأ بالارادة ولو لم يكملوه بالفعل . وموسى قد شجب الجسد اما المسيح فيعذب النفس . وقوله ان من قتل وجبت عليه الدينونة يعني القتل . وأما انا فاقول : ان كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم ، ومن قال لاخيه : رقا ، يستوجب حكم المحفل ، ومن قال : يا احمق يستوجب نار جهنم . ( ان من غضب على أخيه ) يعني من حسدٍ او حقدٍ او بغضة . فالذي يغضب باطلاً يدان باطلاً . فحيث يجب الغضب نغضب فلا ندان، يجب علينا ان نغضب على الاشرار لكي يصطلحوا .
وايضاً يجب ان نغضب على الشيطان لانه يزرع فينا زرعاً شريراً . فكأنه يقول ان الناموس يمنع القتل وانا امنع الغضب الذي يولّد القتل . فذاك قطع الاغصان وانا اقلع اصل الشر . لولا هذا الناموس لحدثت شرور كثيرة. وفي ختام محاضرته قال الخور اسقف يترون كوليانة. ان الله من فيض محبته وكثرة رحمته تعطف علينا فأعد خلاصاً للخطاة بواسطة ربنا يسوع المسيح، أما كون الخلاص قد تهيأ بهذه الكيفية فهو حقيقة راهنة. ويلزمنا أن نجتهد لنفهم طريقة الوصول إلى الخلاص بالمسيح. اختمت المحاضرة التأملية بصلاة جماعية …. الرب يسوع المسيح، انت هو نور العالم، انت هو الشعلة التى تلمس كل النفوس، حبك ومراحمك لا يعرفوا حدود. نحن لا نستحق التضحية التى قمت بها، بموتك على الصليب لاجلنا. امنحنا نعمة التواضع، لنكون اهلا لملكوتك الجديد. آمين