عشر محاضرات لغبطة المطران مار ميلس زيا عن الصلاة الربية في سيدني
في سلسلة شرح الصلاة الربية، القى غبطة المطران مار ميلس زيا، الوكيل البطريركي لكنيسة المشرق الآشورية لابرشيات استراليا ونيوزيلاند ولبنان، عشر محاضرات تناول في الاجزاء التسع الاولى منها، تفسيراً للصلاة ومعانيها واهميتها الروحية والتربوية، ومن خلالها شدد على الالتفات وبعمق الى معاني كلماتها السامية وهضمها من اجل النمو الانساني والروحاني معاً. وخصصت المحاضرة العاشرة لتلقي اسئلة المؤمنين فيما يخص المحاضرات السابقة.
ففي يوم الاثنين المصادف 16/9/2013 وفي كاتدرائية القديس ربان هرمزد في سيدني، قدم غبطته محاضرته الاولى التي شرح فيها المدخل الى الصلاة الربية وخلفيتها، وكيفية الصلاة مع الحذر من تشبهها مع صلاة المرائيين، ومعنى كلمة “ابانا” كنموذج حي للانسان لكي يعيشه ضمن عائلة الكنيسة لفهم العلاقة مع الله، كابن حامل لصورة الله السماوي على الارض.
ثم قدم مدلولات هذه الكلمة التي تشكل فعل تواضع ومحبة من الله الى الانسان والتي تنقله من درك العبودية الى مصاف ابناء الله، والتي باتت توحد المؤمنين من خلال صيغة الجمع المنادى لها فتجعل صلاة واحدة مشتركة بين كثيرين، توحدهم بجسد مشترك مع يسوع المسيح من خلال القربان المقدس.
وشرح غبطته مساحة الحرية التي اعطاها الله للانسان من خلال مناداته بكلمة “أبانا”، مع التاكيد على ضمان هذه الحرية باتجاه التحرر من الخطيئة، لا عكسها، وشارحاً مسألة المسافات بين الله والانسان وكيف ان كلمة ” أبانا” تشكل اعترافاً بقرب الله من البشر واختزال المسافات بينهما من جهة، وما يشكله الهتاف بهذه الكلمة من رسالة الهية للتآخي للعيش في روح الجماعة المؤمنة الواحدة من خلال نعمة البنوة لله، من الجهة الاخرى.
وبتاريخ 23/9/2013 ، قدم غبطته المحاضرة الثانية شرحاً عن معنى عبارة “الذي في السموات” والفرق بين الاب الانساني والاب الروحاني، وبين السماء المادية والروحية وما تستوحيه كلمة ” في السموات” من دلالات مغايرة لمحدودية المكان.
وعلى ضوء اصحاح السادس من سفر اشعيا في العهد القديم، قدم غبطته مدخلا لشرح عبارة ” الذي في السموات ” حيث فسر رؤية اشعيا التي تدور حول تسبحة السرافييم في الهيكل واجنحتهم الست، والتقديسات الثلاث التي قيلت واهتزاز الاساسات، ومعنى وضع الجمرة على شفتي اشعيا من تقديسها لانتزاع الاثم وتكفير عن خطيئته، مع ملاحظة عدم امكانية اشعيا والانبياء في العهد القديم من رؤية الله.
وقارن غبطته ذلك مع المؤمنين في العهد الجديد الذين رؤوا الرب يسوع المسيح بينهم وكيفية غفران خطاياهم والاتحاد مع يسوع المسيح من خلال القربان المقدس، متحدثاً عن المسافة بين قداسة الله والإنسان.
في المحاضرة الثالثة الخاصة لشرح “ليتقدس اسمك”، والتي القيت بتاريخ 30/9/2013، بين غبطته الغاية من ورود هذه الكلمة في الصلاة الربية من أجل تقديس اسم الله وانتشار مجده الالهي في كل مكان، بين المؤمنين وغير المؤمنين.
وبين غبطته كيف ان اسم الله مقدس في بواطن الكتب المقدسة، وكيفية العمل على المحافظة على قداسة اسم الله في حياتنا العملية، سواءً بالسراء او الضراء، وما تشكله هذه الكلمة من دعوة سماوية للانسان لكي يعيش على الارض حياة قداسة، كما ان الله بالأساس مقدس في السماء.
ودعا غبطته الى هزيمة كل الشوائب التي يراد منها تشويه اسم الله المقدس بين البشر، لان الانسان مصنوع كهيكل للروح القدس وانه يتوجب تقديم هذه القداسة للآخرين، بدلا من ايراد اسم الله في توافه الامور، وحاشا.
وعلى ضوء حياة ايوب البار بين غبطته ثمار التمسك بقداسة الله، وعدم التجديف عليه كما طلب من ايوب لكي “ليرتاح” كما وصف له، مقارناً ذلك بما يطلبه العالم من المؤمنين لغرض ادخال التشويه الى اسم قداسته وان كان باساليب خادعة تسحب قلب المؤمن بعيداً عن الله.
وفي المحاضرة الرابعة التي تناولت ” ليأتي ملكوتك” والتي القيت بتاريخ 14/10/2013، بين غبطته معاني “ملكوت الله” والاختلاف في مفهومها بين العهدين القديم والجديد، أي بين مفهوميها الزمني والروحي.
وعرض غبطته اسباب تعثر التلاميذ الاثني عشر والمجتمع اليهودي في عصره من أدراك معنى ملكوت الله، موضحاً المفاهيم الخاطئة السائدة عنها ودور يسوع المسيح في تقويمها سواءً اكانوا من تلاميذه الذي أرادوا الجلوس عن يمينه ويساره كما طلبت ام ابني زبدي، او كانت من قبل محاوريه.
وبين ايضاً ان المؤمنين هم مواطنوا ملكوت الله على الارض يرتبطون بأواصر محبة، كما وضحها يسوع المسيح “ان ملكوت الله فيكم”، وان مشوارهم يبدأ من مياه المعمودية التي هي باب يؤدي اليها، وان طلب حلول ملكوت الله واشتهائها، يقابلها تقويض وانكسار لملكوت الشيطان وسلطته على البشر.
ثم شرح غبطته كيف كرز يسوع المسيح بملكوت الله، أقواله وامثاله عنها، أقترابها او قبولها، دلالاتها ومعانيها في زمن الحاضر وفي بعدها الاسكاتولوجي، انها ملكوت سلام لا تحتاج الى من يدافع عنها بالسيف كما فعل بطرس.
وفي المحاضرة الخامسة التي القيت بتاريخ 28/10/2013، طرح غبطته مسألة بناء الذات واهتدائها بالارشاد الالهي، حسب “مشيئة الله”، وكيف ان يسوع المسيح مثلنا الاعلى، قد جاء الى الارض لغرض اتمام مقاصد ابيه السماوي، وكيف باتت ” مشيئة الله” تقترن بخلاص الانسان. واضاف أن البحث والحياة على ضوء مشيئة الله تصبح كمنارة لاهتداء حياة المؤمن وسط تجارب الحياة، متناولاً مسألة ارادة الله، وضرورة تميزها عن ارادة البشر، والقراءات الخاطئة للانسان عن الكوارث الطبيعية والنكبات التي تحدث في العالم، وما يعقبها من تحجر روحي قاصر امام هذه الاحداث ومحاولة القاء اللوم على الخالق من باب مسببات القضاء والقدر، موضحاً ان التمرغ في الخطيئة والشر تجلب الويلات والحروب وتجعلها امراً لا مفر منه.
وبين غبطته ان ” لتكن مشيئتك” تذكر المؤمنين باحداث بستان الجثسيماني ومسألة قبول بالاختبارات وكأس الاهوال التي تصيب الانسان على ضوء صلاة يسوع في بستان جثسيماني ” يا ابتاه ان شئت ان تجيز عني هذه الكاس.ولكن لتكن لا ارادتي بل ارادتك.” ( لو 22: 42 ) والتي خاضها يسوع نحو انتصار الصليب اتماماً لمشيئة الله في طريف فداء الانسان.
وعلى ضوء ( مت 7: 21) والذي قال فيها يسوع المسيح : ” ليس كل من يقول يارب يارب يدخل ملكوت السماوات بل من يعمل مشيئة ابي الذي في السماء” بين غبطته اهمية ابراز الافعال عن الكلمات وضرورة تطابق ارادة الانسان واعماله مع مشيئة الله المعدة لخلاصه، كشرط لدخول ملكوت الله.
المحاضرة السادسة كانت عن “اعطنا خبزنا كفافنا اليوم” والتي القيت بتاريخ 4/11/2013، تحدث غبطته عن انتقال ضمير المخاطب الى ضمير المتكلم، والتي من خلالها بدأت المطاليب البشرية الاربع، بعد تقديم الذي يصلي الطلبات الثلاث للذات الالهية. حيث ميز غبطته بين الاحتياجات المادية للانسان والمطاليب الروحية له، موضحاً اهمية التوازن في طلب الضروريات والاستغناء عن ما يزاد عنها.
وعلى ضوء “الخبز النازل من السماء” شرح غبطته كيف ان يسوع المسيح هو الخبز الذي يبحث عن الجياع الى البر، وكيف يمنح لكل من يطلبه الحياة الابدية، موضحاً ان سر جسد المسيح ودمه يشكل رمزاً لشركة المؤمنين مع بعضهم البعض ومع الرب يسوع المسيح والتي تشكل ايضا دعوة لتحسس جوع شركائنا في الايمان المسيحي من جهة، والى الانتباه الى اغراءات الشيطان الذي يريد تحويل الحجر الى خبز الامر الذي يؤدي الى اشباعنا من طعام فاني، لطرق خاطئة.
ثم وضح غبطته اهمية القاء حاجات الانسان الضرورية على الله والطلب منه والتي من ضمنها الاعوزاز الزمني للجسد وعدم الاهتمام بيوم الغد ومحاولة تكديس الماديات لانها تطرح فكرة ازمة ثقة الانسان بالله، كما حذرنا منها يسوع المسيح في مثل “الغني الغبي”.
المحاضرة السابعة كانت عن ” وأغفر لنا خطايانا كما نحن ايضا نغفر لمن اخطأ الينا” والتي القيت بتاريخ 11/11/2013، حيث بين غبطته كيف وعد الله الانسان بالمغفرة وكيف ارسل ابنه الوحيد كعلامة محبة تجاه من تمرد عليه، وكيف شرع يسوع المسيح بمصالحة الله مع الانسان قبل ان يطلبها الاخير، مع التشديد على مصالحة الانسان مع اخيه الانسان في الكفة الاخرى، مبيناً ان الله ” الاب” لا يرد سائليه فارغين ويمنحهم ما يطلبوه، وان التقرب اليه يكون بقدر المسافة التي نردمها مع الاخرين غفرانا لما اخطئوا الينا.
ومن خلال مثل “العبد الشرير”، بين غبطته اهمية الصفح والمغفرة والتسامح للخطايا المشتركة، كشرط لنوال المغفرة الالهية كما اكدها يسوع المسيح في اكثر من مناسبة، واظهر الى اي مدى يسامح الله الخطاة والى ما لا حدود له، بالاستناد الى ان من يأمرنا بان نغفر سبعين مرة سبع مرات، من انه سيغفرنا كلما التجأنا اليه، مشدداً على أهمية ان يتأصل الغفران لدى المؤمنين لتصبح عادة متبعة في كل لحظة اساءة، وليست حالة طارئة تنشط في مرحلة زمنية محددة، محذراً من مخاطر بقاء ادانة الاخرين في القلوب كونها عامل ملوث روحي لحياة الانسان.
” ولا تدخلنا في التجربة ولكن نجنا من الشرير” كانت المحاضرة الثامنة التي القيت في كاتدرائية القديس ربان هرمزد في سيدني وذلك بتاريخ 18/11/2013، والتي فيها تناول غبطته آخر طلبة في الصلاة الربية من خلال محورين اساسيين:
الاول ان الله لا يجرب احداً، والثاني ضرورة الالتجاء الى الله والطلب منه قوة روحية لصد مصادر الشرور لضمان عدم السقوط في التجارب أو الانصياع للشرير في مرحلة لاحقة.
وبين غبطته ان نتائج تعاظم الخطية لدى الانسان، تؤدي الى انصياع جبلة الانسان الضعيفة الى التجارب، والتي تحدث لسببين، اما كمتتالية للخطيئة المرتبكة سابقاً، او لكي يتزكى الانسان من وسط التجارب المحدقة به، أكثر قداسة.
المحاضرة التاسعة القيت بتاريخ 25/11/2013، وكانت عن ” لانه لك الملك والقوة والمجد الى الابد الآبدين آمين” بأعتبارها عبارة موجزة توثق وتؤكد قدرة الله على الاستجابة لطلباتنا في الصلاة الربية اعلاه. وتناولت المحاضرة ملك الله للمسكونة ومحاولات الشيطان ضمان عصيان البشر، وان الاعتراف بلقب ملك الملوك يضمن عائدية الخلائق كلها الى اله واحد وبرب يسوع المسيح. ووضح غبطته ما تعنيه هذه التسبحة الختامية من الدعوة الى التهلل بملك الله وقوته ومجده وما تشكله من احساس للمؤمن بمدى عظمة الصلاة الربية التي علمها لنا يسوع المسيح خصوصا انها تاتي بعد الابتهالات والطلبات السبع السابقة.
المحاضرة العاشرة والاخيرة والتي القيت بتاريخ 2/12/2013، فقد خصصت لاستقبال اسئلة الحضور عن المحاضرات السابقة.
والرب يبارك الجميع
مكتب الاعلام والثقافة لكنيسة المشرق الاشورية في سيدني