الرئيسية > البلدان > استراليا ونيوزيلاند ولبنان > تأمل بتجارب المسيح الثلاثة

تأمل بتجارب المسيح الثلاثة

احبتي لتأمل في الايام الثلاثة لصوم باعوث نينوى بتجارب المسيح الثلاثة في البرية، ونتأمل قليلا في الصوم الذي نصومه وثانيا بالتجارب التي نواجهها في صيامنا.

والصوم هو زمن الاقتراب من الله ومن القريب ايضا، أي لا نستطيع ان نصوم صوما انفراديا بيني وبين الله فقط بدون الاخر. لماذا؟ لأن الصوم يكتمل بثلاثية اساسية وهي الله وانا والاخر. لأننا بصومنا يجب ان نتضامن مع الاخر المحتاج ونعطيه ما وهبه الله لنا بذلك نكون نحن وسطاء بين الله والاخر.

مقدمة عن الصوم:

نجد في متي عدة تجارب وتقدم إليه فريسيين ليجربوه (19 : 1)، أدرك يسوع خبثهم فقال لِمَ تجربوني (22 : 18)، وسأله واحد من علماء الناموس ليجربه، وفي الصلاة الربانية (ولا تدخلنا في التجربة 6 : 13)، أسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في التجربة (26 : 41) وفي تجارب يسوع من قبل المجرب (4 : 1،3).

يسوع لا يصوم لكي يستطيع مواجهة إبليس، والجوع الذي أحسّ به لا يدل على أنه كان وشيكاً أن يسقط في تجربة خيرات هذا العالم بل هو ينتظر في السهر ما سوف يكشف الله له هذا هو معنى الرقم (40) زمن المحنة قبل اللقاء بالرب موسى صعد الى الجبل وبقي (40)يوماً وبعدها تكلم مع الرب الشعب العبراني بقي (40) سنة في البرية في التجربة وبعدها دخل أرض الميعاد، أمطر الرب مطراً غرقت فيه الأرض (40) يوماً وبعدها توقف المطر وبدأت حياة جديدة موعودة من الرب كذلك المسيح صام (40) يوماً وبعدها بدأت رسالته والخ.

هل كانت تجربة المسيح خارجية أم داخلية ؟ هذا ما لا نعرفه. ولكن ما نعرفه بدقة كبيرة هو ما قاله المجرب وما أجابه يسوع .

تجارب الرب في البرية

متى : 4

التجربة الاولى

1ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. 2فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا. 3فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ:«إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا». 4فَأَجَابَ وَقَالَ:«مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ».

التأمل:

قال المجرب ليسوع أن كنت … قد تعني كلمة المجرب الأولى أن المجرب ينكر بنّوة يسوع الإلهية (ليس أبن الله) أو أنه يشك فيها أو أنه يريد أن يدفع يسوع لكي يشكك فيها (أبن الله لا يساعده في جوعه؟)، وقد يكون الشيطان يؤكد هذه البنّوة في الخارج ، وينكرها في الداخل لكي يخدع يسوع حول نواياه الخفية. وقد يكون مؤمناً بهذه البنوة فيعلنها ليواجه يسوع مواجهة مكشوفة. يبدو أن الأفتراض الأخير هو الأكثر معقولية .

دعا الشيطان المسيح لكي يؤمن حاجاته بنفسه دون العودة الى الله. وهكذا ينسى الصلاة التي عملها لنا (أعطنا خبزنا كفافنا اليوم).

أجاب يسوع المجرب (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله) مأخوذة هذه الجولة من سفر تثنية الأشتراع (8 : 3) لماذا؟ لأن الإنسان له جسد ونفس. فالخبز يحيى الجسد وكلمة الله تحمي النفس فالأهم من ذلك هو النفس لأن أذا أخذت النفس من الجسد يموت مباشرة .

ولماذا قال المجرب للمسيح أصنع من هذه الحجارة خبزاً وكُل؟ لماذا قال الحجارة ولم يقل مثلاً أشجار أو نباتات أو …الخ.

لأن في البرية التي كان يجرب فيها المسيح كان يوجد أحجار كثيرة وكان تصميم هذه الأحجار متشابهاً لأقراص الخبز تماماً لذلك كان منظرهم شهياً لذلك أشتهاها مثل الخبز .

التجربة الثانية

5ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، 6وَقَالَ لَهُ:«إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». 7قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ».

التامل:

حينئذٍ أخذه إبليس الى المدينة المقدسة … إن الهجمة الثانية والثالثة تجعلها نظن أن يسوع أنتقل من مكان الى آخر نحن هنا لسنا أمام أنتقال بالجسد بل بالمخيّلة هكذا أفهمنا الأنجيلي جدية المحنة (الداخلية) .

المدينة المقدسة … هي المدينة التي تخصُّ الله حصراً . هي مكرسة له بشكل كامل بسبب الهيكل الموجود فيها . المدينة المقدسة هي أورشليم كما قال إشعيا(27 :13) .

بدأ الشيطان هنا أقوى مما كان كان عليه في الهجمة الأولى، لأنه وقف مع محاوره على مستوى الأيمان. إستند الى الكتب المقدسة (مكتوب : يوصي ملائكته) نص المزمور (91 : 11-12).

كان عرض الشيطان على يسوع أن يجترح معجزة أمام جموع الهيكل لكي يدّل على نفسه أنه المسيح المنتظر. ومن خلال ذلك، هو يحاول أن يبعد يسوع عن الطاعة النبوية للآب، ويدفعه الى أن يستّقل في سلطته كأبن عن سلطة الأب .

التجربة الثالثة

8ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، 9وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي». 10حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». 11ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ.

التأمل:

فأخذه إبليس الى جبل عال (4 : 8-11) .

والهدف الأخير الذي توخاه الشيطان من أمتحان يسوع . يجعله يبتعد عن خدمة الله الواحد، خدمة الآب وحده، من أجل عبادة الشيطان. صعد يسوع الى جبل عالٍ كي يتأمل منه كل مجد ممالك الأرض. أن هذه المماليك تحت سلطة الشيطان (رئيس هذا العالم) ” يوحنا 12 :31 ” هذا يعني أن كل هذا شيطاني في جوهره. ولكن الشيطان أقام فيه مملكته بشكل مؤقت غير أن هذا الملك هو موضوع تساؤل الآن بمجيء ملكوت الله الذي تدشّن بالمسيح .

حيث أطاع يسوع الله جائت الملائكة تخدمه. يدل الملائكة على حضور الله كما قلت بعد كل رقم (40) هناك يوجد لقاء مع الله وهكذا نال يسوع من الله ما رفض أن يأخذه بقواه الخاصة بمسايرته وخضوعه للشيطان .

التعرض للتجربة ليس خطيئة، أما كما قلت أن نجرب الآخرين أو أن ننهزم أمام التجربة فذلك هو خطيئة، والمسيح نفسه كما قلت جرب من قبل الشيطان كي يعلمنا بأنه شارك مع الإنسان حتى في التجارب، تجارب الحياة اليومية التي يتعرضها الإنسان كل يوم. تعامل بطبيعته الإنسانية .

أحياناً ما تحسّ أنه لو قادنا الروح القدس فسيكون ذلك دائماً الى حيث المكان الساكن والجميل لكن ذلك ليس بالضرورة فالروح القدس أقتاد المسيح الى البرية كي يمتحن ويجرب بتجارب صعبة، وقد يقتادنا الروح القدس أيضاً الى مواقف صعبة كي نجرب من الشيطان ونمتحن من الله .

كما قلت أستخدم المسيح في محاربة الشيطان بكلمات الله المقدسة (آيات من الكتاب المقدس) ونحن بأمكاننا أن نفعل الشيء نفسه إلا قبل كل شيء يجب أن تكون لدينا معرفة تامة بكلمة الله ونفهمها كي نستخدمها في محاربة الشيطان .

التجربة كما قلت لا تأتينا من الله بل من الرغبات الداخلية أو التأثيرات الخارجية فهي تبدأ بفكرة شريرة وعندما نعيش مع الفكرة الشريرة وتسمح لها بأن تتحوّل الى فعل وتصير خطيئة مثلما ترعى النار وتكبر، هكذا الخطيئة تترعرع كلما تركناها تأخذ طريقها في داخلنا وحياتنا والله عندما يسمح للشيطان بتجربتنا الغاية هنا من التجربة هي أن نتعلم الصبر والحكمة واكتشاف قدراتنا على تحمل المصاعب والألم .

تجارب يسوع هي تجارب كل إنسان فالإنسان يريد أن يسيطر على المادة يريد أن يمتلك خيرات هذه الدنيا ويوجهها من اجل راحته وسعادته أما يحق للمسيح أن يتمتع بهذا السلطان ؟

الصوت الذي دعا يسوع ليّحول حجارة البرية الى خبز هو صوت الغريزة صوت اللحم والدم في الإنسان . الصوت الذي يحاول أن يخنق صوت الله لكن يسوع أعاد القيم الى النظام الذي وضعه الله لها (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل ….الخ) الله وحده يستطيع أن يشبع الإنسان، وجوع بطنه هو صورة عن جوع آخر لقد خلق الإنسان على صورة الله ولكن يسوع رفض التجربة التي تدعوه لكي يجعل الله على صورة الإنسان وجمع المجرب الصور وجعل يسوع في إطار مهيب أعلى قمة الهيكل من حيث يرى الجموع الممتشدة (أن كنت أبن الله، أرمِ ….الخ) لكن رسالة يسوع ليست خيالاً بل واقع وحقيقة وهو لا (يمثّل) كأبطال السينما لأن يسوع لا يأخذ مجده من البشر مجده أن يكون أبن الله وهذا المجد الله وحده يعطيه .

وما أكتفى الشيطان بالمدينة المقدسة بل وسّع ساعته وسع العالم، عاد الى رؤية موسى الذي أراه الرب أرض كنعان من أعلى جبل بنو(سفر تث 34 : 1-4) وعرض على يسوع صفقة أعطيك كل هذا أن سجدت أمامي، لكن يسوع لم يخدع بل جاوب من الوصية الأولى من وصايا الله (لله وحده تسجد وأياه وحده تعبد). وظل يسوع أميناً لرسالته. لم يتخلَّ عن ملكوت السماء من أجل ملكوت الأرض هكذا يجب علينا نحن أيضاً أن نكون مطيعين لله فقط ونكون أمناء لرسالتنا المسيحانية .

المصادر:

الكتاب المقدس

الاب بولس الفغالي

الاب

توما ككا

نيوزيلند 2016